في يوم رمضاني كنت ضمن المدعوين لحفل إفطار جماعي لمجموعة الشركات التي أعمل بها . وكان ذلك في إحدي فنادق جدة المعروفة .
وفي ذلك اليوم لقد توخي كل منا أجمل ما عنده من الثياب ليليق بذلك الكرنفال ، أما أنا علاوة علي ما إرتديته فقد أحضرت معي في حقيبتي الصغير بعض من الزي السوداني . وعند وصولنا الي ذلك الفندق ال5 إستار وجدنا جمع غفير من كبار الشخصيات من النزلاء ، وايضاً من الذين إعتادوا تناول بعض وجباتهم بالفنادق .
أخذ كل منا مكانه المخصص في تلك القاعة الفارهة الرحبة التي تزينها النوافير المضاءة التي تسحر أعين الناظرين .
جلسنا هنيهة قبل الإفطار وفي خلال تلك اللحيظات التي تمر بطيئة علي ظمأنا وجوعنا ، دار بخاطري أن أستبدل ما إرتديته من ملابس ( أفرنجية ) بزيّ بلدي الحبيب . بلدي يا حبوب جلابية وتوب .
أخذت حقيبتي الصغيرة تلك ثم ذهبت وتواريت خلف سلالم تلك البناية ونزعت تلك البذلة وملحقاتها وإستبدلتها بجلابية بيضاء فاقع لونها وكذلك العمامة والملفحة المطرزة الجوانب . فلما ظهرت وانا في تلك الهيئة والهيبة السودانية أحسست وكأني طاوؤس يختال فخراً بريشه الزاهي . كما أحسست بكل الأنظار تتجه نحوي .
أخذت مكاني بكل سكينة بين الزملاء فكان من الزملاء من غير السودانيين يشبهني بالسيد الرئيس البشير وبعضهم بالنميري رحمه الله هكذا كانوا يقولون .
جاءت لحظة الإفطار تناولنا بعضاً من الرطب اللذيذة والمتنوعة الأشكال والأحجام . كما إحتسينا من الماء والعصيرات التي تعج بها تلك الموائد . وتركنا ثلثاً من فراغ بطوننا الصائمة الي الأطعمة الدسمة التي تنتظرنا بعد صلاة المغرب .
كان بذلك الفندق مسجدا، رحباً إقيمت الصلاة . ولم أكن أنا في مقدمة الصفوف ولكن تجاذبتني بعض الأيادي لأتقدمهم إماماً لأصلي بهم صلاة المغرب . نعم صليت بهم ( تقبل الله ) .وقبل ان اقوم من مقامي ذلك فإذا بميامين بعض المصلين تمتد لتصافحني بكل وقار ، ( تقبل الله ) .
لقد دهشت جدا من كل ذلك الإهتمام والإحترام الزائد . وتسألت مع نفسي ما هذا الذي اراه ؟ هل نزلت عليهم السكينة ؟ أم غشيتهم الرحمة وهؤلاء الجموع من خلفي؟ .
حيث انني لم اقرأ بما لم يقرأ به الآخرون أنما ( سورة الزلزله وسورة النصر ) كما لم أكن أجيد تلاوة القرآن ولم يكن صوتي كصوت الشيخ عوض عمر ولا الشيخ صديق أحمد حمدون رحمهما الله .
قضيت الصلاة . وانشر الجميع الي قاعة الإحتفال بعد ان تناولوا ماطاب لهم من تلك الموائد . وبدأ الحفل . مقدم برنامج الحفل إعلامي تلفزيوني معروف لقناة عربية معروفة .
رحب بالحضور ولكن خص في ترحيبه السودان وشعب السودان حيث قال : ( إني أري إخوة لنا من السودان الشقيق هذا الشعب الطيب الذي يمتاز بالأخلاق الكريمة والثقافة واكثر ما يميزه تسمكه بثقافته وتقاليده . بدليل ان هذا الرجل الذي امامنا يتوشح هذا الزي السوداني الجميل الذي يميز السوداني عن بقية الشعوب الاخري ) .
تابع كلامه ( ارجو من الاخ الزول الحضور الي عتبة المسرح ) وكان يشير اليّ . لقد صفق الجميل لذلك وخاصة السودانيون و كنت انا في قمة السعادة لسماعي هذا الكلام والثناء الجميل .
صعدت الي المسرح متوجسا بعض الشئ . حيث كانت هذه اول مرة اقف امام الكاميرات و وخلف المايكريفونات ، عانقني ذلك الرجل عناق السوداني لاخيه السوداني . طلب مني ان احدثهم عن رمضان في السودان .
تحدثت قليلاً دون الإفاضة في هذا الجانب حيث كنت متلعثماً بعض الشئ . ثم طلب مني الحديث عن العلاقة الزوجية الحميمة التي يتميز بها السودانيون بإحترامهم لنسائهم .
نعم ! فقد تحدثت في هذا الجانب بكل اريحية ورومانسية . ولم اصدق نفسي وانا اتحدث بهذه الإفاضة والترتيب ، صفق الجميع فزادني دفعاً لأبوح بما اكنه من حب وإحترام الي الحبيبة الغالية زوجتي . ولقد كنت في نفس ذلك اليوم قد فرغت من كتابة قصيدة في الغزل المباح واسمها الي زوجتي .
فارتجلت منها هذه الابيات قلت:
الحمدُ للهِ ربي الذي اهـــداني لكِ ***** وجَعلَ بُوَيْطِنات قلبي سـَـــــكَنٌ لَكِ
مُتربعةٌ علي عَرشِكِ بالفـؤادِ وَحدكِ ***** لا أحْدٌ منْ الخَلقِِ فِيه شـَـــرِيكٌ لَكِ
إنّ من القَلبِ الي القلبِ لرسـولٌ ***** فَحُبي وعِشْقِي وهُيَامِي ذَلِكمُ رُسـُـــلكِ
إنّ حُبَك نَشْوةٌ تَسْرِي في دَمِي ***** تَسُوقُنِي يَغِظاً اٌدَاعِبُ طَــيْفَ خـَــيَالَكِ
إنّ في دُنْيَا حَوَائِكِ حِسَانٌ كُثْرٌ ***** ولَكِن لا ولَمْ ولَنْ تَلِدَ حــَــواءُ مِـــــــثْلكِ
فِيكِ إجْتَمَعَ الحُسْنُ والخُلقُ معاً ***** وأمَا الجٌودُ والكَرَمُ هُما شَيمَةُ أهْـــــلُكِ
تَوْأمَةُ رُوحِي أُمَ يوسُف وإخْوَتهُ ***** بَلْ رُوحَ رُوحِي وحَيَاتِي ومَـــــهْلَكي
لَقدْ أحببتُ فِيكِ تَمْبُولَ ومَا حَولَها ***** ولا سَيّمَا ( الكَمْبُو ) أحْبَبته لأجْـــــلكِ
وإنّ لَسَمُومَهَا علَيّ بَرْدٌ وسَلامٌ ***** وأحْجَارُها أزْهَار فَيَا تَمْبُولَ مَا أجْـمَلُكِ
حُظِيتِ يَا تَمْبُولُ العُربِ بِقُربِهمُ ***** وإزْدَانَ بِهمُ (الَرَيُّ) وإزْدَانَ مَا حـْولُكِ
حِبِيبَتِي لا تَعْجَبَينَ إنْ غَرْتُ عَلَيّكِ ***** ومَا غَيرَتِي إلا فَيْضٌ مِنْ حـُـــبِي لَكِ
إنِّي وَاللهِ أغَارُ عَلَيّك مِنْ كُلِ النَّاسِ ***** حَتَي ذَوّيّ القُرْبَي وإنْ كَانَ خــَــالُكِ
الغِيرَةُ مِنْ مَحَاسِنِِ خُلْقِ البَشْـــرِ ***** ومَا أنَا إلا بَشْرٌ مِثْلُهمُ ولَسْــــتُ بِمــَـلَكِ
رَعَاكِ الرَحْمَنُ قُرَةَ عَيّنِي أمُ آيَة ***** وَحَفِظَكِ الخَالِقُ البَارَئُ وَحَفِظَ أنْجــَالَكِ
عانقني ذلك المذيع مرة أخري وصفق الجميع ايضاً مرة أخري بلا استثناء وخاصة الجنس الآخر بل وسمعت بعض الهتافات . كما أهديت لي بعض الهدايا القيمة وقوبلت وانا اترجل عن المسرح بالعناق من الإخوة السودانيين وغير السودانيين .
لم يكن ذلك الإجلال والإكبار من تصفيق اوتقديمي للامامة او المسرح لشخصي الضعيف او لشعري المتواضع ، انما كان كل ذلك لأجل ذلك الزي السوداني الذي تحترمه كل شعوب العالم . ولم يبالغ من تغني لهذا الوشاح .
يا بلدي يا حبوب ** جلابية وتوب ** جلابية وتوب** وجرجار ومركوب ** وعمة وصديري** وسيف وسكين ** يا سمح يا زين
حمي الله سوداننا من كل سوء وأصرف اللهم عنه الحروب والفتن ماظهر منها وما بطن . وأجعله آمنا سخاء رخاء موحدا يا واحد يا أحد يا فرد يا صمد .
فوالله كم انا فخوووووووووور بذلك .