الاخت صفاء تطرقت الي احد اخطر المهدات التي تنخر في مفاصل سوداننا الحبيب , فبخلاف الدمار الذى خلقته ولا تزال تسببه الحرب الأهلية فى السودان، فإن هناك قاتلا من نوع آخر فى البلد الذى يشهد أعنف الصراعات فى قارة أفريقيا. فقد قالت صحيفة الإيكونومست البريطانية فى عددها الأخير، إن واحدةً من أهم المشكلات التى يواجهها السودان، بجانب القضايا الدموية الأخرى المتمثلة فى الحرب الدموية فى دارفور، هى انتشار مرض الإيدز.
ومن الصعب ذكر أرقام موثوق بها حول عدد المصابين بالمرض فى السودان، ورغم ذلك فإن هناك أبحاثا أجريت لتأكد أسوأ المخاوف من انتشار فيروس "إتش أى فى" المسبب لمرض الإيدز فى السودان.
آخر دراسة هامة أجريت فى هذا الشأن كانت فى عام 2003، وكشفت عن أن نسبة الإصابة بالمرض تقدر بـ1.6%، إلا أن الخبراء يشيرون على أن هذه النسبة وصلت إلى 3% فى الوقت الحالى، على العكس من مصر المجاورة للسودان التى لا تتجاوز النسبة قيها 0.1% ومن المعروف أن منظمة الصحة العالمية تعتبر تخطى نسبة 1% بمثابة وباء.
فى عام 2007، توفى 31600 شخص من مرض الإيدز فى المنطقة العربية، 80% منهم فى السودان، والآن فإن معدل الإصابة أصبح أقل فى السودان مقارنة ببعض الدول الأفريقية، لكن نظراً إلى الظروف الحالية، فإن فيروس "إتش أى فى" قد ينتشر فجأة ويصبح خارج السيطرة
ويشعر الأطباء بالقلق من وجود العوامل التى تساعد على انتشار المرض، منها ارتفاع نسبة الأمراض التى تنتقل عبر الاتصال الجنسى، وذلك بسبب الفقر والهجرة الداخلية إلى جانب التهجير الذى يتم بسبب الحرب.
وتشير الإيكونومست إلى وجود حملات مكثفة فى السودان لمكافحة انتشار مرض الإيدز، ومشاركة أئمة المساجد فى هذه الحملات عن طريق التوعية بأن انتشار المرض لا يتم عبر الاتصال الجنسى فقط، ولكنه ينتقل عن طريق الدماء، إلا أن الجهل لا يزال عائقاً أمام الحد من انتشار المرض وقالت، إن الأمر يتطلب سنوات طويلة ومزيدا من الدعم الحكومى لتغيير بعض المفاهيم الخاطئة بشأن هذا المرض، وبدون بذل جهود حقيقية فى هذا المجال، فإن الإيدز يهدد حياة السودانيين أكثر من الحروب.
على الرغم من أن الكفاح ضد الإيدز في السودان سار بخطىً بطيئة في بداياته، إلا أن تحركاً فعلياً بدأ يظهر منذ عام 2003 عندما قام الرئيس عمر البشير ولأول مرة بمصافحة مصابين بفيروس نقص المناعة المكتسبة علناً ووعدهم بدعم الحكومة.
واليوم يقوم البرنامج الوطني لمكافحة الإيدز بالسودان بتقديم الفحص والاستشارة والعلاج والرعاية في العديد من المستشفيات الحكومية. كما بدأ في عام 2007 وبالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (اليونيسف) برنامجاً للوقاية من انتقال المرض من الأم إلى الجنين وأطلق حملة توعية تضمنت مواد إذاعية ولوحات إعلانية باللغتين العربية والانجليزية.
غير أن التحديات التي تواجه هذا البلد الذي يعد الأكبر في إفريقيا تكمن في صعوبة تبني القضايا الحساسة الخاصة بهذه المنطقة في برامجه المعنية بفيروس نقص المناعة المكتسبة.
مخاطر كبيرة ومعلومات قليلة
ففي إقليم دارفور الذي تمزقه الحرب، يبقى انتشار فيروس نقص المناعة المكتسبة مثيراً للقلق بسبب انتشار العنف الجنسي والتنقل الكبير للسكان، في الوقت الذي أدى فيه نشاط الحركة على الطريق الرابط بين البحر الأحمر والعاصمة الخرطوم إلى تدفق كبير لسائقي الحافلات والعاملين في تجارة الجنس.
أما في الجنوب، فقد أدت 21 سنة من الحرب إلى عزل المنطقة حيث لا يزال الوعي بالفيروس منخفضاً جداً ولا يزال النظام الصحي العقيم غير قادر على التعامل بشكل فعال مع الفيروس وعلاجه.
كما أن نقص البيانات في جميع أنحاء البلاد وضعف الوصول إلى بعض المناطق بسبب انعدام الأمن يعني أن هناك معلومات ضئيلة عن حجم انتشار الفيروس في السودان. كما أن مستويات الفحص منخفضة جداً ومراكز الاستشارة والفحص الطوعي قليلة ومتباعدة.
وقد أشار مسح أجري في عام 2002 إلى أن نسبة الإصابة في مجموع البلاد تصل إلى 1.6 بالمائة ولكن لم يتم تفصيلها حسب الولايات. وسيتم في أواخر هذه السنة إجراء تقييم جديد لتحديد نسبة انتشار الفيروس ومعرفة التغيرات السلوكية في الشمال والجنوب. كما سيقوم هذا المسح بتوفير بيانات تفصيلية عن الولايات ولكن من غير المرجح أن تظهر النتائج قبل عام 2009.
ومن المشاكل الأخرى التي تواجهها البرامج الوطنية لمكافحة الإيدز القيود المفروضة على السودان من قبل الصندوق العالمي لمكافحة الإيدز والسل والملاريا والتي تعني أن الحكومة السودانية لا تستطيع الحصول مباشرة على أية منح وأن على برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وغيره من منظمات الأمم المتحدة تمرير المساعدات المالية عبر الشركاء المنفذين، الأمر الذي يؤدي إلى ضياع موارد مهمة في نفقات إدارية.
الحواجز الثقافية
كما شهد شمال السودان ذو الغالبية المسلمة مقاومة في الماضي لمناقشة فيروس نقص المناعة المكتسبة بسبب المحظورات الاجتماعية على بحث المواضيع الجنسية. وحتى بعد إطلاق حملة التوعية العامة، اضطرت اليونيسف والبرنامج الوطني لمكافحة الإيدز بالسودان إلى تضييق نطاق توزيعهما للمنشورات التي تروج لاستعمال الواقيات الذكرية لتجنب المس بالحساسيات الثقافية. أما في الجنوب الذي ينتشر فيه الدين المسيحي وغيره من الديانات الأخرى (غير الإسلام والمسيحية)، تمنع العديد من العادات الحديث عن الجنس، ويبقى نشر التوعية حول الفيروس مسألة صعبة.
كما أن ختان الإناث، الذي يعتبر أحد عوامل الخطر في انتقال فيروس نقص المناعة المكتسبة، منتشر جداً في كافة أنحاء البلاد حيث تخضع حوالي 70 بالمائة من الإناث للختان. كما أن هذه العادة منتشرة بشكل شبه كامل في الشمال.
من جهة أخرى، لا يمكّن وضع المرأة في الثقافة السودانية النساء من بحث مواضيع الجنس الآمن، مما يساهم في انتشار الوباء.
وبالرغم من هذه المعوقات، تستمر الحكومة وشركاؤها في بذل الجهود للوقاية من المرض وتوفير الرعاية للمصابين بالفيروس. وتنظم لجنة مكافحة الإيدز بجنوب السودان دورات تدريبية للمجموعات التي يُعتقد بأنها معرضة للإصابة بالمرض مثل أفراد الجيش.
وتعمل برامج منع انتقال الفيروس من الأم إلى الجنين في سبعة مستشفيات بالبلاد، وهناك خطط لزيادة هذا العدد في الأشهر القادمة. ويوجد في السودان الآن 70 مركزاً للاستشارة والفحص الطوعي وسيتم إنشاء المزيد منها في الأجزاء النائية. كما أن 1,500 شخص يحصلون على الأدوية المضادة للفيروسات القهقرية في 25 مركزاً في مختلف أنحاء البلاد.
ابومريم